أنــــا، و القمامة...

من أهم مميزات الأحكام الاستثنائية في الدول النامية، كما هي الحال في موريتانيا، ارتكازها على قلب التوازنات الطبيعية للمجتمعات الأفريقية من أجل خلق ظروف اجتماعية و ثقافية ملائمة لانغراسها. و قد اتبع العسكريون الموريتانيون، بدورهم، هذه القاعدة. و من بين مجموعة من أدوات الارتكاز، اختلقوا ما سمي ب "النخبة المحلية" التي تجد أصولها في مهملات التاريخ و التي غرست و زرعت و حصدت في مستنقعات القذارة البشرية المطلقة و التي، بدعم سلطوي مالي سخي و بوليسي مرتش، استطاعت بث عناصر الثقافة الملائمة للأهداف الاستيطانية لهذه الأحكام. إن ثقافة دعارة الدولة المتمثلة في ثقافة النفاق و ثقافة الفساد و ثقافة ترقية الجهل و العجز و ثقافة التملق المثري و ثقافة الزور و ثقافة الوشاية الخبيثة و ثقافة شيطنة القيم و ثقافة الدوس على الكرامة، تشكل أساس المناخ المقرف الذي يسبح فيه البلد و الذي - وا أسفاه - يشكل واجهته.
عندما قررت، منذ عدة سنوات، إنشاء صرح حر من أجل إدانة مساوئ نظم القمع السياسي، كنت على دراية تامة بحجم المسؤولية المترتبة عن هذا القرار. كنت قد قدرت حجم المجازفة المتعلقة بي شخصيا كما قدرت أنني، بذاك القرار، سأجلب العديد من رجال و نساء موريتانيا الأحرار لمخاطر لا علاقة لهم بها و قد كان تحمل هذه المسؤولية الأخيرة أصعب بكثير. ما كنت لأفعل تجاه ذلك؟ قطعا، ليس الكثير. كل ما كان بمقدوري هو الاتكال على قناعتي التي مفادها أن الاستقامة و النزاهة حتما تقودان للفوز في نهاية المطاف.
أطلقت المشروع و اتخذت كافة الإجراءات الفنية الكفيلة بتأمينه تأمينا مطلقا.
كنت أعلم كذلك بأنني سأتبع و أتابع و بأني سأكون موضع بحث دوريات كلاب جمهورية الزور. لكنني لم أكن أتوقع أن توكل هذه المهمة لأولئك الذين، على مدى حياتهم الدراسية الوجيزة، لم يتمكنوا قط من تجاوز رتبة "حمار الفصل". أولئك الذين فضلوا طريق الزور و الذين، عندما امتطوا تلك الطريق، تسلحوا بكل رذيلة البشرية، زبالة المجتمع الموريتاني.
لكل الذين و اللاتي، خلال هذه المهزلة، ظلوا على يقين بعدم وجود أي أساس لصخب نباح كلاب أرذل كتائب نظام الزور، أقول شكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرا.
ها أنا ذا. لا زلت على قناعة تامة بقضيتي، قضيتنا، و لا زلت مصرا كل الإصرار على المتابعة و سأواصل.
على الرغم من ذلك فقد أحسست بخيبة أمل كبيرة عندما أرغمتني الأحداث على ملاحظة كون أكثر أدوات أرذل كتائب الكلاب قرفا، و التي، في ظل نظام القمع، اعتبرت نفسها حالمة شرعية للختم العام، تستمر في امتلاك نفس القدرة على الإساءة. أليست هذه إشكالية جسيمة؟ إن الإشكال يتخطى هذه الحالة ليظهر بجلاء من خلال – و هذا هو الخطر الحقيقي – استمرار نفس قنوات البث التي وضعت و طورت خلال فترة يظنها الموريتانيون، بكل براءة، قد طويت.
واقع مؤسف تضعه هذه الحقيقة أمامكم على الرغم من المقاومة التي تحاولون، أنتم الموريتانيون و الموريتانيات الأحرار، التشبث بها دون جدوى نظرا لغياب حقائق ملموسة قادرة على إقناعكم.
ترى، هل، بدل أن يختفي كما يحاول إقناعنا بذلك، دبر نظام الفساد و القمع تمثيلية ذكية من شأنها أن تمكنه، بكل هدوء، من التجدد تمهيدا لعودة أقوى؟ أتمنى أن أكون مخطئ التقدير، حبذا لو كنت.
يوما ما، ستولد الجمهورية. تلك هي قناعتي. ذاك هو قدري. أتمنى أن يرزقني الله الحياة حتى أشهد هذا الميلاد. بعد ذلك، لا أبالي...